لغز جزيرة بيرميخا: خيال أم واقع؟
في خليج المكسيك، كانت هناك جزيرة غامضة تُعرف باسم بيرميخا، ظهرت على الخرائط لقرون وأثارت فضول المستكشفين والرسامين الجغرافيين والحكومات لاحقًا. وُصفت الجزيرة بأنها كتلة صغيرة من الأرض ذات لون محمر تقع شمال شبه جزيرة يوكاتان.
اعتُقد أن لها أهمية جيوسياسية كبيرة، لكنها اختفت بشكل غامض. وعلى الرغم من وجودها الواضح في الخرائط البحرية، فشلت محاولات العثور على أي أثر لها، مما خلق واحدة من أكثر الألغاز الجغرافية إثارة في العصر الحديث. فما حقيقة بيرميخا؟ ولماذا اختفت؟
البحث المكسيكي عن جزيرة بيرميخا
قبل اختفائها المفاجئ، ظهرت جزيرة بيرميخا على الخرائط منذ القرن السادس عشر. واسمها مستمد من الكلمة الإسبانية "برميخو"، والتي تعني "المحمر". ظهرت الجزيرة دائمًا في خليج المكسيك، على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال شبه جزيرة يوكاتان عند خط العرض 22° 33' شمالًا وخط الطول 91° 22' غربًا.
أول تسجيل لوجود الجزيرة يعود إلى المستكشفين الإسبان الأوائل، وظهرت لأول مرة في أعمال رسام الخرائط الشهير "ألونسو دي سانتا كروز" عام 1539 في كتابه El Yucatán e Islas Adyacentes. استمرت بيرميخا في الظهور على الخرائط، وأصبحت نقطة مرجعية أساسية في المياه المجهولة بالخليج.
مع مرور الزمن، بقيت بيرميخا على الخرائط، واكتسبت أهمية كبيرة في المناقشات المتعلقة بالحدود البحرية والمطالبات الإقليمية. وبفضل موقعها المفترض، كانت تُعتبر مفتاحًا لترسيم حدود المناطق البحرية التي يُعتقد أنها غنية باحتياطيات النفط.
القيمة الحقيقية لبيرميخا
ظل وجود جزيرة بيرميخا أمرًا مفروغًا منه حتى أواخر القرن العشرين، عندما فشلت محاولات العثور عليها. بدأت القصة في عام 1997، عندما أطلقت الحكومة المكسيكية بعثة رسمية لمسح المياه والتحقق من وجود بيرميخا لتعزيز حدودها البحرية.
على الرغم من استخدام التكنولوجيا المتقدمة وأساليب البحث الدقيقة، لم تعثر البعثة على أي أثر للجزيرة. استمرت عمليات البحث، وفي عام 2009 أُجري مسح أكثر شمولاً بواسطة الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك لصالح مجلس النواب المكسيكي، لكنه أيضًا لم يسفر عن شيء.
لم يكن الأمر متعلقًا بالجزيرة نفسها بقدر ما كان يتعلق بالنفط. ففي عام 1971، اكتُشفت حقول نفطية ضخمة في منطقة "Hoyos de Doña"، مما جعل المكسيك تسعى لتوسيع منطقتها الاقتصادية الحصرية. وجود بيرميخا كان سيمنح المكسيك ميزة في نزاعها مع الولايات المتحدة بشأن حقوق النفط.
النظريات حول اختفاء بيرميخا
النظرية الأولى: خطأ في رسم الخرائط
تُعد هذه النظرية الأكثر احتمالًا، حيث يُرجح أن الجزيرة لم تكن موجودة أصلًا. قد يكون ظهورها على الخرائط نتيجة خطأ في تفسير البيانات الملاحية أو محاولة لملء الفراغات في المناطق غير المرسومة.
النظرية الثانية: العوامل الطبيعية
قد تكون الجزيرة قد تعرضت للغرق بسبب ارتفاع مستويات البحر أو التآكل الطبيعي. لكن بعض الخرائط البريطانية منذ عام 1844 تشير إلى وجود الجزيرة على عمق 60 قامة (حوالي 110 أمتار) تحت السطح، مما يعزز احتمال الغرق.
النظرية الثالثة: مؤامرة دولية
تدعي بعض النظريات المؤامرتية أن وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) قد دمرت الجزيرة عمدًا للحد من مطالب المكسيك الإقليمية. لكن هذه النظرية تفتقر إلى الأدلة، وتبدو غير معقولة بالنظر إلى التحديات التقنية لتدمير جزيرة دون ترك أي أثر.
ما الذي حدث حقًا لجزيرة بيرميخا؟ عمليات المسح المكسيكية تُظهر أنه لا يوجد دليل على وجود الجزيرة أصلًا، كما أن قاع البحر في الموقع المفترض لها لا يظهر أي آثار تدل على وجود جزيرة غارقة. يبدو أن بيرميخا ليست سوى خطأ في الخرائط، وهي تذكرة بالتحديات التي واجهها المستكشفون الأوائل في رسم العالم المجهول.
تظل قصة بيرميخا مثالًا على كيفية تحول الأخطاء البشرية إلى ألغاز تأسر خيال البشرية لعقود.