سر اختفاء العبقري الفيزيائي إيتوري ماجورانا
كان لأعمال إيتوري ماجورانا تأثير هائل في عالم الفيزياء. لقد عمل مع وألهم بعض أعظم العقول في القرن العشرين، وساهم في اكتشاف النيوترينو، مما أدى إلى بداية عصر جديد في الفيزياء.
إذن، لماذا لا يُعرف بنفس شهرة زملائه؟ ماجورانا، الفيزيائي النظري الإيطالي العبقري، اختفى دون أن يترك أي أثر عام 1938، تاركًا وراءه فراغًا يملؤه العديد من الأسئلة التي لم تُجب.
كمُبتكر في ميكانيكا الكم وفيزياء الجسيمات، كانت إسهاماته عميقة، لكن ظروف اختفائه الغامضة أثارت عقودًا من التكهنات والغموض.
هل قُتل؟ أم انتحر؟ أم أنه هرب ليبدأ حياة جديدة؟
عندما أُعيد فتح قضيته في عام 2011، ترك ذلك الناس مع المزيد من الأسئلة بدلًا من الإجابات.
العبقري ماجورانا
وُلد إيتوري ماجورانا في 5 أغسطس 1906 في كاتانيا، صقلية، لوالديه فابيو ماجورانا ودومينيكا ماجورانا (ني ميليوريني). كان موهوبًا أكاديميًا بشكل مذهل منذ صغره، وكان قادرًا على أداء عمليات حسابية معقدة مثل ضرب أعداد كبيرة واستخراج الجذور التربيعية والتكعيبية في ذهنه.
عُرف ماجورانا بخجله الشديد كطفل، وهي صفة استمرت معه في مرحلة البلوغ. في عام 1923، سافر إلى روما حيث بدأ دراسة الهندسة في جامعة سابينزا المرموقة.
تحول مصيري
بعد خمس سنوات، وبتشجيع من الفيزيائي الشهير إميليو سيغري، اتخذ ماجورانا قرارًا غيّر مسار العلم إلى الأبد، حيث حول دراسته إلى الفيزياء. سرعان ما انضم إلى إنريكو فيرمي، الرجل الذي اخترع أول مفاعل نووي، كواحد من "شباب بانيسبيرنا" المشهورين. عمل مع الفريق كفيزيائي نظري.
من الصعب تلخيص عبقرية ماجورانا دون دراسة الفيزياء. فقد ركزت خبرته بشكل أساسي على ميكانيكا الكم، حيث أظهر فهمًا استثنائيًا لسلوك الجسيمات الأساسية.
كانت إسهاماته حاسمة في تعزيز الأسس النظرية للفيزياء الكمية. ركز عمله على فهم طبيعة الجسيمات، لا سيما الفيرميونات، وكان لأفكاره تأثير دائم على هذا المجال.
إنجاز مبكر
في عام 1929، وعمره 23 عامًا فقط، حصل ماجورانا على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة روما سابينزا. وقادته الورقة التي نشرها بعد ذلك بثلاث سنوات إلى فتح فرع جديد تمامًا من فيزياء الذرة، وهو دراسة التحليل الطيفي للترددات الراديوية.
علاقة مع هيزنبرغ
بعد ذلك بوقت قصير، في عام 1933، غادر إيطاليا وسافر إلى لايبزيغ في ألمانيا. هناك عمل مع فيرنر هايزنبرغ، أحد رواد الفيزياء الكمية، وأصبح صديقه.
لم يقتصر بحث ماجورانا على إعادة تشكيل فهمنا لميكانيكا الكم فقط. بل عمل مع بعض من أشهر الفيزيائيين في تلك الفترة، وساعدهم في إكمال أبحاثهم. وكل من عمل معه أبدى احترامًا كبيرًا لعمله.
وصف إنريكو فيرمي ماجورانا قائلاً: "هناك عدة فئات من العلماء في العالم؛ أولئك من الدرجة الثانية أو الثالثة يبذلون قصارى جهدهم ولكنهم لا يحققون تقدمًا كبيرًا. ثم هناك الدرجة الأولى، الذين يحققون اكتشافات مهمة وأساسية للتقدم العلمي. ولكن هناك العباقرة، مثل غاليليو ونيوتن. ماجورانا كان واحدًا من هؤلاء".
إنجازات كبرى
ظل العديد من أعظم إنجازات ماجورانا غير معترف بها لعقود. ويرجع ذلك إلى أنه كره الأضواء ولم يكن يأخذ الفضل المباشر لاكتشافاته، حيث كان يعتبرها مملة وغير مثيرة للإعجاب. طوال حياته المهنية، نشر فقط تسع أوراق علمية.
أهم مساهمة له كانت صياغة "معادلة ماجورانا"، وهو إطار نظري رائد وصف الجسيمات القادرة على أن تكون جسيماتها المضادة. قدم هذا المفهوم، المعروف باسم "فيرميونات ماجورانا"، بعدًا جديدًا لفهم فيزياء الجسيمات.
إلى جانب معادلة ماجورانا، حقق تقدمًا كبيرًا في دراسة النيوترينوات، مقدمًا رؤى قيمة حول خصائصها وسلوكها. طلب فيرمي من ماجورانا كتابة مقال عن اكتشافه، لكنه رفض بسبب خجله. في العام التالي، أثبت فيزيائي آخر صحة نظريته حول النيوترون من خلال تجربة وحصل على جائزة نوبل.
كانت إنجازاته رائعة لدرجة أنه في عام 1938، وعمره 31 عامًا فقط، تم تعيينه أستاذًا كاملًا للفيزياء النظرية في جامعة نابولي دون أن يخضع لأي امتحانات أو إثبات لكفاءته، حيث أشادوا بـ"شهرته البارزة ومهارته الفريدة".
الاختفاء
في عام 1933، أصيب ماجورانا بمرض خطير في المعدة وأظهر علامات على الإرهاق الحاد. أدى ذلك إلى انطواء تام استمر لأربع سنوات، حيث انعزل تقريبًا عن الجميع.
في عام 1938، قبل منصبًا في جامعة نابولي، لكن لم يدم الأمر طويلًا. في 25 مارس 1938، اختفى في ظروف غامضة.
بدأ الأمر بسحب ماجورانا جميع أمواله من البنك، ثم سافر من نابولي إلى باليرمو. يُعتقد أنه كان مسافرًا لزيارة صديق، لكنه لم يكن في إيطاليا آنذاك.
اشترى تذكرة عودة إلى نابولي لكنه لم يستخدمها أبدًا. بعد ذلك بوقت قصير، أرسل رسالة إلى رئيسه، أنطونيو كاريللي، يشير فيها إلى أنه لن يعود.
رسائل غامضة
في الرسالة، اعتذر عن أي إزعاج وأشار بطريقة غامضة: "سأتذكركم جميعًا على الأقل حتى الساعة 11 مساءً، وربما لفترة أطول". لم يُعثر على جثته، وظل اختفاؤه لغزًا لعقود.
بعض زملائه السابقين افترضوا أنه انتحر بسبب تصرفاته الغريبة وحالة الإجهاد التي مر بها.
إعادة فتح القضية
في عام 2011، أعادت السلطات الإيطالية فتح القضية بعد أن ظهر شاهد أكد رؤيته لماجورانا في بوينس آيرس بعد الحرب العالمية الثانية.
النهاية المجهولة
رغم التحقيقات، ظل اللغز قائمًا، واستمرار التساؤلات حول قراره ودوافعه. اختفاء إيتوري ماجورانا يذكرنا بأن بعض الألغاز قد تبقى بلا إجابة إلى الأبد.