لغز الهلع الكبير للأغنام في 1888: حادثة غامضة أربكت الريف الإنجليزي
في مساء الثالث من نوفمبر عام 1888، بدأ الليل في جنوب إنجلترا كما هي العادة. كانت الحيوانات الزراعية محمية في أقفاصها أو مغلقة بأمان خلف بوابات المراعي. لكن حوالي الساعة الثامنة مساءً، سمع سكان أكسفوردشير شيئًا لم يتوقعوه: صوت دوي هائل أشبه بهروب جماعي هائل خارج منازلهم.
إذا تجرأ أحدهم على النظر من نافذته ليرى سبب هذا الضجيج الغريب، لشاهد واحدة من أغرب الحوادث في التاريخ. حادثة الهلع العظيم للأغنام عام 1888 تعد من الأحداث الغامضة التي ما زالت تحير الناس حتى يومنا هذا.
الهلع العظيم للأغنام عام 1888
في تلك الليلة، أصيبت عشرات الآلاف من الأغنام بحالة من الهياج المفاجئ وركضت مذعورة كما لو أنها تهرب من خطر داهم. اخترقت الأغنام أقفاصها، وتجاوزت الأسوار وكأنها مصنوعة من الورق، قفزت فوق الجدران الحجرية، وخربت الممتلكات أثناء ركضها.
في صباح اليوم التالي، فوجئ المزارعون بأن قطعانهم لم تعد في أماكنها المعتادة. كانت عشرات الآلاف من الأغنام متناثرة في كل مكان، أحيانًا على بعد أميال من الحقول التي كانت ترعى فيها. وعندما عثر بعض المزارعين على أغنامهم، كانت مختبئة تحت الشجيرات أو واقفة في الطرقات تلهث من شدة الخوف. في حين تكدست أغنام أخرى في زوايا الحقول التي استطاعت الوصول إليها.
كتب أحد المزارعين المحليين عن هذا الحدث إلى مجلة علمية مخصصة للظواهر الغريبة. ووصف كيف أثار شيء ما حالة ذعر شديدة لدى جميع الأغنام، مما أدى إلى هروبها العشوائي عبر الشوارع والحقول.
انتشار الظاهرة عبر منطقة واسعة
وأشار المزارع إلى مدى انتشار الظاهرة، قائلاً:
"يمكن تقدير مدى الحادثة عندما نذكر أن كل مزارع كبير من والينغفورد في جهة إلى توي فورد في الجهة الأخرى قد أبلغ عن أن أغنامه تعرضت لنفس الرعب. ومن اللافت للنظر أن المناطق الجبلية شمال نهر التايمز كانت الأكثر تأثرًا".
وامتدت الحادثة لتغطي مساحة قدرها 200 ميل مربع (520 كيلومترًا مربعًا).
محاولات تفسير الحادثة
حاول المزارعون تفسير ما حدث، لكن دون جدوى. استبعدوا تمامًا أن يكون الأطفال المشاغبون وراء الحادثة، فكيف يمكن لمجموعة من الأطفال في عدة قرى أن تسبب حالة ذعر موحدة بهذا الحجم؟
كما تم رفض فرضية أن السبب كان ثعلبًا بريًا أو كلابًا، نظرًا للعدد الهائل من الأغنام التي أصيبت بالذعر. الخوف الناتج عن هذه الحيوانات المفترسة يمكن أن يؤدي إلى ما يُعرف بـ"إزعاج الأغنام"، وهو حالة من الإجهاد الشديد الذي قد يسبب نفوق الأغنام، إجهاض النعاج الحوامل، أو حتى فقدان الحملان لأمهاتها، مما يؤدي إلى جوعها أو موتها.
لكن فكرة أن جميع القطعان في مساحة 200 ميل مربع تعرضت للتهديد من كلاب أو ثعالب في نفس اللحظة بدت مستحيلة.
بدأ المزارعون التفكير في أسباب أوسع نطاقًا مثل ظاهرة جوية غير عادية. هل كان هناك صوت رعد قوي؟ تغير مفاجئ في الطقس؟ اهتزازات زلزالية؟ أو ربما سقوط نيزك؟
لكن ليلة الثالث من نوفمبر 1888 كانت هادئة، على الرغم من وصفها بأنها "مظلمة جدًا" مع ومضات عرضية من البرق.
سلوك الأغنام الطبيعي
تعتبر الأغنام حيوانات فريسة، وهي دائمًا في حالة تأهب للحفاظ على سلامتها. تمتلك حواسًا حادة تجعلها مدركة جدًا لمحيطها ولأفراد قطيعها.
إلى جانب ذلك، تتمتع الأغنام بغريزة قوية للتجمع في قطعان. تعرف الأغنام أن هناك قوة في العدد، وأن الركض معًا في مجموعة كبيرة بعيدًا عن الخطر يقلل من فرصة الإمساك بها. لكن هذه الغريزة يمكن أن تصبح خطيرة.
في عام 2006 في تركيا، وقعت حادثة مأساوية حيث سقط حوالي 400 رأس من الأغنام من جرف بعد أن تبعوا خروفًا واحدًا حاول عبور وادٍ عميق.
نظرية الظلام الدامس
أثار الحادث اهتمام عالم الطبيعة أوليفر فيرنون أبلين، الذي حقق في أسباب الحادثة. ووفقًا لشهادات السكان، كانت الظلمة شديدة الكثافة في تلك الليلة لدرجة أنها حجبت ضوء القمر بالكامل.
يعتقد أبلين أن الأغنام شعرت بأنها محاصرة بسبب الظلام، مما أدى إلى حالة من الذعر بين القطيع. وأوضح أن كل ما يتطلبه الأمر هو أن يبدأ خروف واحد في الركض، ليؤدي ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل بين القطيع بأكمله.
حوادث مماثلة وألغاز إضافية
لم تكن حادثة الهلع العظيم للأغنام عام 1888 هي الوحيدة من نوعها. وقعت حوادث مشابهة في عامي 1889 و1893 في نفس المنطقة، حيث عجز المزارعون عن تفسير أسبابها.
تبقى الحادثة، ومعها النظريات المحيطة بها، واحدة من أكثر الألغاز التي لم تجد تفسيرًا مقنعًا حتى اليوم. ربما يكون السبب وراء الحادثة شيئًا يتجاوز فهمنا الحالي، وربما شيء لا ينتمي إلى عالمنا.