قبر الإسكندر الأكبر المفقود
في القرن الرابع الميلادي، اختفى الضريح الفخم للإسكندر الأكبر في مدينة الإسكندرية بشكل غامض من جميع السجلات التاريخية، ولم يتم العثور عليه أبدًا.
هذه هي قصة القبر حتى لحظة فقدانه وأبرز النظريات حول موقعه المحتمل.
الإسكندر الأكبر: أعظم الفاتحين
الإسكندر الأكبر (356-323 قبل الميلاد) يُعتبر واحدًا من أعظم الفاتحين في التاريخ وأكثر الشخصيات تأثيرًا في العصور القديمة. عاش حياة قصيرة ومليئة بالأحداث، إذ توفي عن عمر 32 عامًا بعد أن أسس إمبراطورية أكبر من الإمبراطورية الرومانية، وكانت تداعياتها الجيوسياسية تشكل العالم القديم لقرون.
كان ضريحه في مدينة الإسكندرية، مصر، وجهة للحج لأي شخصية بارزة تطمح لتحقيق مكانة اجتماعية أو سياسية. لكن في القرن الرابع الميلادي، اختفى القبر فجأة من جميع السجلات التاريخية، ولم يتم العثور عليه حتى يومنا هذا.
الإسكندر الأكبر: حياة مليئة بالإنجازات
كان الإسكندر شخصية مميزة منذ صغره. في عمر الثالثة عشرة، عُيّن الفيلسوف أرسطو ليكون معلمه، مما جعله شابًا مثقفًا مولعًا بالفنون والفلسفة والدين. في الوقت نفسه، كان والده، الملك المقدوني فيليب الثاني، يعلمه فنون الحرب باستخدام تقنيات جديدة مثل تشكيل "الفالانكس" المقدوني، حيث يحمل المحاربون رماحًا بطول 6 أمتار.
في سن السادسة عشرة، أصبح الإسكندر قائدًا عسكريًا قادرًا، وبعد اغتيال والده عندما كان في العشرين من عمره، صعد إلى العرش وقضى على جميع منافسيه.
في عام 334 قبل الميلاد، بدأ حملته ضد الإمبراطورية الفارسية، حيث أسس الإمبراطورية المقدونية التي شملت مصر، كل فارس، وأراضي بعيدة حتى جبال الهيمالايا في الهند خلال عشر سنوات فقط.
وفاة الإسكندر المبكرة
توفي الإسكندر الأكبر في 10 أو 11 يونيو عام
323 قبل الميلاد في قصر نبوخذ نصر الثاني في بابل عن عمر يناهز 32 عامًا. لم يتم التأكد من سبب وفاته؛ يُرجح أنه قد يكون بسبب مرض أو تسمم.
رغب الإسكندر في أن يُدفن في واحة سيوة بمصر، باعتباره ابن الإله "زيوس-آمون". لكن هذه الرغبة لم تُحترم. بعد وفاته، تم تحنيط جسده وفقًا للتقاليد المصرية، وجُفف بالملح، وأُزيلت أعضاؤه الداخلية، وُعُطر بالبهارات والأعشاب.
السارقون والموقع الجديد للضريح
بعد وفاته، جُهزت عربة جنائزية فاخرة لنقل الإسكندر إلى مقدونيا، حيث كان من المفترض أن يُدفن بجانب والده. لكن خلال مرور الموكب عبر سوريا، قام أحد جنرالاته، بطليموس الأول سوتر، باختطاف العربة ونقلها إلى مدينة ممفيس في مصر.
أدرك بطليموس أن السيطرة على الإمبراطورية بأكملها أمر مستحيل، فركز على تعزيز سلطته في مصر وليبيا. لاحقًا، تم نقل تابوت الإسكندر إلى الإسكندرية، حيث وضع في ضريح محاط بجدران يسمى "السوما"، وفقًا للمؤرخ اليوناني سترابو.
اختفاء القبر في القرن الرابع الميلادي
ظل قبر الإسكندر الأكبر في الإسكندرية لقرون، وكان يُعد موقعًا بارزًا يزوره المشاهير والشخصيات المهمة. لكن في نهاية القرن الرابع الميلادي، اختفت جميع السجلات المتعلقة بالضريح بشكل غامض.
آخر إشارة معروفة للضريح كانت في رسالة كتبها المعلم الروماني ليبانيوس عام 391 ميلادي. لكن في حوالي عام
400 ميلادي، ذكر يوحنا ذهبي الفم، أحد آباء الكنيسة الكاثوليكية، أنه ذهب لزيارة الضريح في الإسكندرية ولم يجده.
النظريات حول اختفاء القبر
تدمير الضريح بسبب كارثة طبيعية
في عام 365 ميلادي، تسبب زلزال هائل قُدرت قوته بـ8.5 درجة على مقياس ريختر في تدمير أجزاء من الإسكندرية وربما قبر الإسكندر. كما أن الزلازل اللاحقة غمرت أجزاء من المدينة تحت الماء.
تدميره خلال الصراعات الدينية
في نهاية القرن الرابع الميلادي، تحول المسيحيون إلى الأغلبية في الإمبراطورية الرومانية، وبدأوا بتدمير المعابد الوثنية. قد يكون ضريح الإسكندر أحد هذه المعابد المستهدفة.
وجود المومياء في مسجد النبي دانيال
في عام 1850، زعم دليل سياحي يدعى أمبروز شيليزي أنه رأى مومياء الإسكندر في قبو تحت مسجد النبي دانيال في الإسكندرية. لكن هذا الادعاء لم يُعترف به رسميًا.
تم نقل المومياء إلى القسطنطينية
في عام 630 ميلادي، تحت حكم الإمبراطور الروماني الشرقي هرقل، تم تنفيذ عدد من العمليات العسكرية لاستعادة أجزاء من الأراضي التي كانت في السابق ضمن الإمبراطورية الرومانية. ووفقًا لبعض النظريات، قد يكون الإمبراطور أمر بنقل رفات الإسكندر إلى القسطنطينية كجزء من محاولاته لتعزيز شرعية حكمه واستغلال الإرث الرمزي للإسكندر. ومع ذلك، لم تظهر أي دلائل أثرية لدعم هذه النظرية.
بقاء الضريح في مكان مجهول
تتحدث بعض النظريات عن احتمال بقاء ضريح الإسكندر الأكبر في مكانه الأصلي، ولكنه تعرض للدمار أو الطمس بفعل الزمن، ولم يتم اكتشافه بعد. بالنظر إلى التاريخ الغني للمدينة وما شهدته من زلازل وتغيرات جغرافية، قد تكون الأنقاض مغطاة بالرمال أو مدفونة تحت طبقات المدينة الحديثة.
اكتشافات حديثة تعيد الأمل
في السنوات الأخيرة، أظهرت العديد من الحفريات في مدينة الإسكندرية وبعض المناطق المحيطة اهتمامًا متجددًا بالعثور على ضريح الإسكندر. من أبرز هذه الاكتشافات:
أنفاق وممرات قديمة: تم العثور على شبكة من الأنفاق تحت المدينة، والتي قد تكون جزءًا من نظام كان يرتبط بالمقابر الملكية.
أدلة نصية غير معروفة سابقًا: ظهرت إشارات جديدة في نصوص تاريخية قديمة تربط موقع الضريح بمواقع محددة في المدينة.
الأهمية الأثرية والتاريخية
إذا تم العثور على ضريح الإسكندر الأكبر، فسيكون هذا أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في التاريخ. قد يساعد في كشف مزيد من التفاصيل عن حياته وإرثه، بالإضافة إلى تقديم لمحة نادرة عن الطقوس الجنائزية والديانة في تلك الفترة.