كم يستهلكنا كل أدب فريد لكاتب مجهول، أو ربما فضولنا يسعى إلى كل شيء غامض معقد، ولا نستسلم حتى تبرد تلك الشعلة الملتهبة بمعرفة كل غامض وخفي.. معركة تحرك الفضول المستحسن إلى طمائنينة المعرفة. وبالطبع أهلك الفضول الكثير لذلك ليس كل فضول مباح.
في هذا المقال سنتكلم عن ملحمة بيوولف الشعرية التي أخذت نصيبها ووجدت نجاحها حيث وجهتها الأقدار، لكن أين سيدها؟ أين كاتبها؟ إنه مجهول الهوية إلى هذه الساعة.
ملحمة "بيوولف"
فمن غرائب الزمن أن يتوج عمل بينما يمحى اسم مبدعه. الشاعر مجهول الهوية الأنجلو سكسوني و مخطوطاته من أحد أهم الأدب الإنكليزي. وحين يأس المؤرخون بالتعرف عليه سموه باسم ملحمته الشعرية «شاعر بيوولف» Beowulf.
تعرضت القصيدة لضرر إثر حريق أثر بمخطوطتها، لكنها نجت بعد فقد بعض هوامشها و بعض الأسطر من القراءات. وقد نُسِخت لأول مرة عام 1786 وتمت ترجمة بعض الأسطر لأول مرة إلى اللغة الإنجليزية الحديثة في عام 1805، وتم إجراء تسع ترجمات كاملة في القرن التاسع عشر، بما في ذلك تلك التي كتبها جون ميتشل كيمبل وويليام موريس. منذ عام 1900، تم عمل المئات من الترجمات، سواء في النثر، أو القافية، أو الأبيات الجمالية.
من بين الترجمات الحديثة الأكثر شهرة ترجمات إدوين مورغان، وبورتون رافيل، ومايكل جاي ألكساندر، وروي ليوزا، وشيموس هيني) تم استكشاف صعوبة ترجمة ملحمة بيوولف من قبل العلماء بما في ذلك جون رونالد تولكين.
لكن ما فحوى القصيدة، وإلى أين تحملنا؟ ولماذا كل هذا الاهتمام الأدبي و التاريخي؟ نعم لقد تعمدت إثارة فضولك لتكتشف الخط بين الواقع و الخيال والأسطورة.
اسم البطل ( بيوولف) من قبيلة جرمانية تسمى الجيتس في جنوب السويد خلال العصور الوسطى.. حيث ينتشر اسمه في القبائل الجرمانية. كشاب بطل من المعايير الجسمانية الثقيلة و الفكرية الماكرة وقوة روح شجاعة. من محارب وبحار و سباح وقائد حربي، إلى الوسامة وقوة العشيرة.. إلا أن الذهب لا يخلو من الشوائب دائما.
لقد كان يتملكه الغرور الشديد، والنرجسية كبلت روحه وتصرفاته. و بلوغ الشهرة كان ينطلق به مثل سهم في الظلام لن تعلم متى يتوقف أو من يصيب.
بلغ اسم (بيوولف) أحد ملوك الجيتس أو «الدنماركيون» كانوا قبيلة شمالية جرمانية سكنت جنوبي إسكندنافيا في العصر الحديدي، والتي أسس أحفادها ما أصبح في نهاية المطاف مملكة الدنمارك و كان اسم الملك (هروثغار) فطلب بعد ضغط مملكته عليه دعوة لبيوولف ليقتل لهم وحشا أو شيطانا عذبهم لسنين وأفسد أفراحهم.
إذ كان ينزل عليهم ليلا كلما أقاموا حفلا فيفتك برجالهم و أطفالهم. ولم يجدوا منه مهربا أو حيلة فتسلط عليهم حتى أهلك أكثرهم و نغص عيشهم إلى أن توقفوا عن أي احتفال خشية أن تليها جنائز.
كان اسم الشيطان (جريندل) وصفوه كرجل ضخم البنية بشع الوجه سريع الحركة لا تسمع له ركزا. وغالبا ما يحمل غنائمه من الجثث إلى مخبأه في أعلى الجبل حيث لم يستطع أحد بلوغ تلك الكهوف العميقة.
ما إن بلغ بيوولف الخبر حتى أخذ معه أشجع جنوده وصديق حياته (ويغلاف) وانطلق إلى قبيلة الجيتس يطلب مغانم الشهرة والذهب، و يسعى لتحريك أقلام المؤرخين بزيادة فصل جديد لبطولاته التي ستقضي عليه.
هنا ستوجد شخصيات عدة كشيطانة مغرية للأبطال، وابن من إنس وجن. وهناك حب وتضحية، ألم، شجاعة وغرور.
لن أحرق القصة عليك ولن أرضي فضولك مجددا، عليك الدخول إلى هذه الملحمة الشعرية من عدة أبواب كقصة أو كقصيدة أو لأخبرك .. يمكنك الولوج إليها من خلال فيلم، فقد صور فيلم ثلاثي الأبعاد لهذه الأسطورة.
إقرأ أيضا: الميثولوجيا عِندَ الإغريق
لسنين طويلة كانت ملحمة بيوولف موضوعاً للدراسة العلمية كثيراً، من الناحية النظرية والفكرية والمقالات. حيث وجدت أن الأسماء كانت موجودة في الواقع من أسماء الملوك والقبائل وأكثر الشخصيات.
لكن هل هي قصة من الماورائيات وقعت في تلك الحقبة الزمنية؟ أو أنها من خيال جامح لكاتب مجهول؟
وجد أكثر العلماء صعوبة في ترجمة مخطوطته، بيوولف هو أول قطعة من الأدب الإنجليزي يقدم قاتل التنين، و كان” شاعر بيوولف” أول من جمع السمات وقدم تنينًا مميزًا يتنفس النار. تم نسخ تنين بيوولف في وقت لاحق في الأدب بمواضيع مماثلة.
تبقى الحقيقة وراء مخطوطة قديمة تقص قصة غريبة لتزواج الإنس بالجان و نوع المولود من هذه الزيجة الغريبة. ويبقى الكاتب مجهولا دون ترك أي استنتاج أو تفسير.
ويبقى السؤال.. هل سرق الأوروبيون أدبنا القديم؟ أو أن هذه القصص كانت تقع بأنحاء الأرض في تلك العصور المظلمة فحصل كثير من التشابه في الأفكار؟