اعزائي القراء قرأتم في المقالات السابقة قصصا عن اشخاص عاشوا في مناطق صعبة مثل رجل الفضاء والرجل الذي عاش في الجزيرة .. لكن اليوم ستقرؤون عن رجل عاش في مكان غريب ولفترة طويلة ، ولعل اختلافه الرئيسي عن السابقين هو أنهم عاشوا لوحدهم منعزلين عن الناس ، الا ان صديقنا اليوم قرر ان يعيش وسط آلالاف من الناس بضجيجهم و حركاتهم وكل الفوضى التي يتسبب بها البشر .. فهيا نتعرف على بطل قصتنا ..
صالة الأنتظار القصة الحقيقية لاحد اشهر الافلام الهوليوودية
ولد مهران كريمي ناصري عام 1942 في مجمع سكني تابع لشركة نفط فارسية انجايزية تقع في مدينة مسجد سليمان ، والده ايراني وكان طبيبا في الشركة، وامه اسكتلندية وكانت ممرضة حسب قوله هو. عاش حياة طبيعية وفي عام 1973 انتقل الى المملكة المتحدة ليلتحق بجامعة براد فورد للحصول على شهادة جامعية في الدراسات اليوغوسلافية.
في تلك الفترة كانت ايران تحت حكم الشاه وعرفت اضطرابات كثيرة خاصة من جهة التيارات اليسارية والاسلامية ، وقد خرجت المعارضة وقامت بالمظاهرات وحتى في خارج ايران كانت هناك مظاهرات ،
وفي مارس من عام 1974 قامت مظاهرة في المملكة المتحدة ضد الشاه فشارك فيها مهران على غرار الكثيرين ، وبعد عام تقريبا اضطر مهران للعودة الى ايران بسبب ضائقة مالية فعاد الى وطنه في شهر اوت / أغسطس 1975 لكن ما ان وطأت قدماه ارض المطار حتى القي عليه القبض من قبل الشرطة السرية الايرانية .
مهران قال انه سجن لاربعة اشهر وعذب وثم نفي خارج الوطن ، لكن هذه القصة غير مؤكدة تماما ، والمؤكد فقط انه تظاهر عام 1970 في ايران في مظاهرة طلابية ضد قانون صدر من الجامعة وتم استجوابه مع 20 طالبا ولم يكن هناك تعذيب .
التجول في اوروبا
بعد نفي مهران خارج ايران تقدم بطلب لجوء الى المانيا الغربية وهولندا في عام 1977، لكن طلبه قوبل بالرفض ، فتقدم بطلب لجوء الى فرنسا عام 1978 ورفض ايضا ، ثم تقدم بطلب الى ايطاليا عام 1979 ورفض ايضا ،
فتقدم بطلب جديد لفرنسا عام 1980 فرفض من جديد ، وتقدم بالتماس فرفض كذلك .. ومع كل هذا تقدم بطلب هجرة الى المملكة المتحدة فرفض ومنع من دخول البلاد عن طريق مطار هيثرو وطرد ،
فعاود المحاولة لدخول المانيا الغربية ولكنه طرد الى الحدود البلجيكية ، واخيرا بعد ان تجول في اوروبا لعدة اعوام وعاش كالمتشرد بين هذه الدول الرافضة له اخيرا سمحت له السلطات البلجيكية بالدخول الى اراضيها.
وفي اكتوبر من عام 1980 وافقت مفوضية اللاجئين للامم المتحدة في بلجيكا على منح مهران حق اللجوء في بلجيكا وعاش هناك حتى عام 1986 .. فهل تعتقدون ان حياة مهران استقرت؟ .. طبعا لا ..
مهران لم يستسغ الحياة في بلجيكا رغم انها الدولة الوحيدة التي استقبلته وقرر العيش في المملكة المتحدة. عندما وصل مهران الى مطار هيثرو في المملكة المتحدة كان بدون اي وثائق تثبت هويته وحسب اقواله فأنه عندما كان متوجها الى مطار شارل ديغول في فرنسا عبر محطة قطار باريس سرقت حقيبته اليدوية التي تحتوي على كل وثائقه التي تثبت هويته، لكنه بطريقة ما استطاع الوصول الى المطار وركوب الطائرة المتوجهة من فرنسا الى المملكة المتحدة.
مزاعم مهران حول ضياع اوراقه الثبوتية بسبب تعرضه للسرقة لم تنفع ، فسلطات مطار هيثرو قاموا بارجاعه الى فرنسا لانه بدون وثائق تثبت من هو ، وهكذا عاد مهران الى فرنسا عبر مطار شارل ديغول وعند وصوله ولأنه بدون وثائق تم توجيهه الى منطقة الانتظار في المطار حيث يتم فيها البت في شؤون المسافرين الذين لا يملكون اوراق ثبوتية ..
دخل مهران منطقة النتظار وهو لا يعلم انه سيبقى فيها لمدة لا تخطر على بال احدكم!!
الحياة في المطار
لم يستطع مهران ان يثبت من هو وما هي جنسيته ولا حتى اسمه لأن السلطات لا تتعامل بالكلام بل بالوثائق ، ولأنه بدون وثائق بقي في منطقة الانتظار في مطار شارل ديغول ومرت الايام بمهران لتصبح شهورا فسنوات لتنقضي 18 سنة وهو يعيش في المطار وكأنه منزله.
مع مرور الايام الاولى كان مهران يحاول ايجاد حل لكن بدون وثائق فان هذا شبه مستحيل فبدا يتأقلم مع حياته الجديدة داخل المطار، كان يستيقظ في 5 صباحا ويغتسل في دورات المياه حيث كان غاية النظافة ، ثم يجلس على اريكة تبرع بها له عمال المطار ويقضي وقته في القراءة او سماع المذياع او كتابة مذكراته التي تحولت الى كتاب في ما بعد، وكان عمال المطار يقومون بغسل ثيابه.
كان مهران انسان هادئا لا يزعج احدا رغم انه محاط بالصناديق حيث كان يقيم في قاعة المغادرة عند التقاء المحال التجارية والمطاعم في الدور السفلي ، لم يتحدث مهران مع المسافرين الا في ما ندر ، كان مشغولا بنفسه ، ورغم انه نام قريبا من محلات ريلاي الشهيرة التي كانت تبيع كتابه الذي الفه حول نفسه الا انه لم يكن يهتم او يتاثر بأحد وكأنه في عالم لوحده.
ومع مرور الوقت نسي مهران اسمه او بالاحرى تناساه واصبح يسمي نفسه السير الفريد وكان لا يرد على من يناديه باسم مهران ، ومن الرسائل الكثيرة التي كانت ترسل له من السلطات المختلفة استلم رسالة من السلطات البريطانية موجهة باسم السير الفريد!.
صراع البقاء
مع طول مدة بقاء مهران في المطار وعدم وجود حل لمشكلته سلمت منظمة حقوق الانسان في فرنسا قضية مهران الى المحامي كرسيان بورغت والذي استطاع ان يفوز بحكم قضائي عام 1992 مفاده ان السلطات الفرنسية لا يمكنها طرد مهران حيث انه دخل البلاد بطريقة لجوء شرعية ، ورغم ذلك لم تتمكن المحكمة من الزام السلطات الفرنسية بمنح مهران حق اللجوء او دخول اراضيها ، وبذلك بقي مهران في نفس المشكلة وهي عدم قدرته على الخروج من المطار، لكن المحامي كرسيان لم يستسلم حيث توجه الى السلطات البلجيكية لمحاولة اعادة اصدار اوراق للجوء التي كانت قد اصدرتها عام 1980 ، الا ان السلطة البلجيكية رفضت ذلك لان القانون البلجيكي يمنع ارسال اوراق اللجوء بالبريد العادي بل يجب ان تسلم باليد للمعني وهذا كان مستحيلا بالنسبة لمهران ، كما ان القانون البلجيكي يسقط حق اللجوء لاي لاجئ يترك البلاد برغبته.
في عام 1995وافقت بلجيكا على اصدار اوراق لجوء مرة اخرى لكن اشترطت ان تكون عودة مهران الى اراضيها تحت قانون العمل الاجتماعي ، لكن المدهش ان مهران رفض لأنه لا يرغب بالعيش في بلجيكا رغم كل ما قاساه طول مدة بقائه في المطار.
مرة اخرى وفي عام 1999 منحت الحكومة الفرنسية تأشيرة مؤقتة لمهران وجواز سفر لاجئ لاعطائه الفرصة ليدخل فرنسا ويعيش فيها ، لكن احزروا هذه المرة ماذا حدث ؟ ..
لقد رفض مهران الامر مرة ثانية لسبب مضحك وطريف وهو ان السلطات الفرنسية اخطأت واعتبرته ايرانيا الشيء الذي اعتبره خاطئا وغير صحيح ، كما ادعى انه لا يتحدث الفارسية.
كل هذا ادى الى بروز مؤشرات على ان مهران يعاني من اضطراب نفسي .
نهاية الرحلة في 1|8|2006 تم نقل مهران الى المشفى بعد تدهور حالته الصحية ، كما ان اغراضه الشخصية لم تعد موجودة ولا حتى الاريكة التي كان ينام عليها اختفت، وفي بداية عام 2007 تم استلام قضية مهران من قبل الصليب الاحمر الفرنسي في مطار شارل ديغول ووضع في اقرب فندق للمطار ثم في مارس 2007 تم ادخال مهران ال مركز ايمايوس للرعاية في باريس.
تجدر الاشارة الى ان مهران استلم مبلغ مالي مقابل تنازله عن قصته لشركة دريم ووركس والتي حولت قصته الى فلم the terminal عام 2004 من بطولة توم هانكس لكن لم يتم ذكر اسمه ابدا في الفلم كما تم تغيير الكثير من التفاصيل في الفلم الا ان الفكرة بقيت نفسها اي العيش في المطار ، ولمن لم يشاهد الفلم فانصح بمشاهدته لان رائع وواقعي جدا ..
وهكذا انتهت قصة مهران لتبدا كلاجئ وتنتهي في دار للرعاية ، لكن ما اود فهمه هو لماذا لم يعد مهران الى ايران بعد سقوط حكم الشاه واين هي عائلته لماذا لم تساعده؟ .. ولم لم يطلب مساعدة السفارة الايرانية ؟غريبة هذه القصة اليس كذلك؟