ساد اعتقاد بأن القط يمتلك 9 أرواح ، إذا كان الأمر صحيح فبطل قصتنا سيكون قد تفوق على القط ، حيث تعرض لعدة إصابات بليغة في عدة معارك و حروب و نجا ، دعونا أولا نتعرف عليه ..
ادريان ديوارت .. جندي بسبع ارواح
ولد أدريان بول غيسلان كارتون دي ويارت في 5 ماي 1880 بمدينة بروكسيل لأب ايرلندي و أم بلجيكية ( إرنستين وينزيغ )، كان الابن الأكبر و كانت عائلته أستقراطية ، و كانت هناك شائعات بأنه الابن الغير الشرعي لملك بلجيكا ليوبولد الثاني.
توفيت والدته عندما كان في السادسة من عمره فانتقل مع أبيه إلى القاهرة لكي يمارس والده مهنة المحاماة في المحاكم المختلطة بمصر
(محاكم خصصت لمحاكمة الاوربيين بمصر لأن المعاهدة المفروضة على الدولة المصرية آنذاك منعت محاكمة الاوروبيين في المحاكم المصرية) وكان أيضا مديرا لبعض الشركات ، منها شركة السكك الحديد الكهربائية ، وكان مقربا من الدائرة الحاكمة في مصر ، وفي تلك الفترة تعلم أدريان اللغة العربية.
عام 1891 تم إرسال أدريان لمدرسة داخلية كاثوليكية موجودة في إنكلترا مؤسسها اسمه جون هنري نيومان ، وفي عام 1899 ذهب إلى كلية باليول بأكسفورد لدراسة القانون لكنه تخلى عن الدراسة لأنه لم ينسجم فيها.
و انضم للجيش البريطاني و كان عليه تزوير هويته لأنه بلجيكي و لم يصل للسن القانونية ، فإدعى انه انجليزي و اسمه أدريان كارتون تروبر و عمره 25 عام ( عمره الحقيقي كان 19 ).
حرب البوير الثانية
حرب البوير الثانية بين المستوطنين الاوربيين في جنوب افريقيا وبريطانيا
حرب البوير الأولى وقعت في جنوب إفريقيا ما بين 16 ديسمبر 1880 و 23 مارس 1881 ، بينما حرب البوير الثانية كانت ما بين 11 أكتوبر 1899 و 31 ماي 1902 ، و هي حرب البويريين(1) ضد بريطانيا.
انطلق أدريان إلى ساحة القتال و هو متحمس للمعركة ، في وقت مبكر من المعركة أصيب أدريان برصاصتين ، واحدة في الفخد و أخرى في البطن ، فتم أخده إلى إنجلترا ليتعالج ، غضب والد أدريان عندما أدرك أن ابنه تخلى عن دراسته لكن رغم ذلك سمح له بالبقاء في الجيش.
عاد أدريان إلى جنوب إفريقيا للقتال 1901 ثم أرسل إلى الهند حيث تم منحه رتبة ملازم ثان في حرس التنين الرابع ، و استمتع أدريان بالرياضة و صيد الخنازير البرية بالرماح على ظهر الأحصنة ، لكنه تعرض لحادث حيث سقط على الأرض و سقط حصانه فوقه فحدث له كسر في القدم و بعض الضلوع لكن تمت معالجته.
كانت الفرصة مواتية لكي يعود للدراسة ، لكن الحرب كانت تجري في عروقه ، و ذكر أنه إذا كانت بريطانيا سترفضه فسوف يحارب إلى جانب البوير.
أصبح مواطن بريطاني سنة 1907 و تزوج من الكونتيسة فريدريك ماريا فون بابنهاوزن ، و أنجبا بنتان ، و كان أدريان يقضي وقته في السفر بين أوروبا و إطلاق النار على الثعالب و الطيور بسبب إعجابه بالأسلحة و أيضا لعب القمار و الصيد…
الحرب العالمية الأولى
اصيب بجروح خطيرة خلال الحرب
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى توجه أدريان مع الجيش البريطاني إلى أرض الصومال البريطانية ، كجزء من فيلق الجمال (الأبل) بالصومال ،
و كانت هناك حرب ضد أتباع ملك الدواريش ديري غور و أميرهم محمد بن عبدالله و الذي يسمونهم بـ ( الملا المجنون ) ، كانوا البريطانيين متقدمين في الهجوم و كان أدريان في الخطوط الأمامية ، و هناك تلقى رصاصتين في الوجه ،
ففقد جزء من أذنه اليسرى و أصيبت عينه اليسرى ، وتم أخذه لإحدى المستشفيات ليتعالج ، لكن لغته كانت ركيكة لذلك لم يعرف الطبيب ماذا يفعل مع عينه ، فعاد أدريان للقتال و مجددا أصيب في نفس العين و فقدها ، و أخذ إلى بريطانيا للعلاج و تم وضع عين زجاجية له لكنها أزعجته فرماها من نافذة سيارة أجرة و بدلها برقعة جلدية غطى بها عينه.
يبدو أن فقدان أدريان لعينه كانت نعمة ، لأن الأمر سمح له بالخروج من الصومال و التوجه إلى أوروبا ، مثلما قال اللورد إسماي الذي قاتل بجانب أدريان .
بعدها توجه أدريان للجبهة الغربية لفرنسا التي كانت مشتعلة في تلك الفترة و في أحد المعارك تعرضت يد أدريان اليسرى للإصابة من قذيفة مدفعية ألمانية ، ففقد ثلاثة أصابع ، و طلب أدريان من الطبيب أن يزيل الإصبعين المتبقيين تجنبا للغرغرينا لكن الطبيب رفض عندها قام أدريان العنيد بقطعهم بنفسه ،
نعم فعل ذلك، و لكن ظهر التعفن و القرح على يده لذلك اضطروا إلى قطعها ، و لم تكن هناك مشكلة فلقد استمر أدريان بالقتال حيث كان يحمل البندقية بذراع واحدة و يزيل مسامير القنابل بأسنانه و يرميها بيده السليمة ، و عند الهجوم على قرية لا بواسيل سنة 1916 تعرض ثلاث قادة من كتيبة جلوسيسترشاير القتل ، تولى أدريان المسؤولية و القيادة و تمكنوا من صد العدو و بدون أي وسائل تواصل ، و حصل أدريان على وسام صليب فيكتوريا، و هو أعلى وسام يعطى للشجاعة.
و في معركة السوم تلقى أدريان رصاصة في القدم و أخرى بالرأس ، و كالعادة لم يمت رغم أن الرصاصة دخلت مؤخرة رأسه و خرجت من المقدمة دون إصابة الدماغ ، و تعرض لإصابات أخرى في معارك أخرى ، رصاصة في الورك في معركة باشنديل و رصاصة في الساق في معركة كامبري و فقد أذنه بالكامل في معركة أراس ..
لقد حدث له الكثير من العطب فنصحوه بالاستقالة لكنه كان يستمر في العودة إلى القتال ، و لقد ذكر أدريان في مذكراته بأنه قد استمتع بالحرب و أحبها .
بعد الحرب العالمية الأولى
فرقة الجمالة البريطانية
بين عامي 1919 – 1921 ، كانت بولندا بحاجة ماسة إلى دعم من بريطانيا ، بسبب تورطها في صراعات مع البلاشفة السوفييت و الأوكرانيين و الليتوانيين و التشيك على أراضي متنازعة ، و طبعا كلما كانت هناك معركة ستجد أدريان هناك ، فتم إرساله على أنه في المرتبة الثانية في قيادة البعثة العسكرية البريطانية البولندية بقيادة الجنرال لويس بوتا ، بعدها حل محل بوتا ،
و في سنة 1919 نجى أدريان من حادثتي تحطم طائرتين أسفرت إحداهما عن فترة قصيرة من الأسر الليتواني ، و في أغسطس 1920 تعرض قطار المراقبة إلى الهجوم من قبل القوزاق(2) في محاولة لسرقته ، و كان أدريان يقاتلهم بمسدسه و سقط من على القطار المتحرك لكنه نهض و تسلق القطار بسرعة.
و تابع إطلاق النار إلى أن هرب القطار من القوزاق ، ساعد أدريان البولنديين إلى أن فازوا بالحرب في عام 1921 ، و تقاعد برتبة فخرية لواء في عام 1923 و قرر قضاء بقية عمره في بولندا ، و كان يقضي معظم أيامه في الصيد كالعادة .
الحرب العالمية الثانية
دخل الحرب بعين واحدة .. ويد واحدة .. سقط من طائرة ولم يمت!
بعد 15 عام من الحياة الهادئة في بولندا ، تم إستدعاء أدريان في يوليو 1939 إلى وظيفته السابقة في الجيش البريطاني ، خصوصا بعد تعرض بولندا للهجوم من ألمانيا النازية و الاتحاد السوفيتي على مدار الأشهر الأولى من الحرب ،
تم إرساله أدريان إلى النرويج لقيادة قوة أنجلو- فرنسية للاستيلاء على مدينة تروندهايم في أبريل عام 1940 ، لكن تعرضت طائرة أدريان للسقوط في مضيق بحري بعد تعرضها للهجوم من طائرة مقاتلة ألمانية ، عوض الركوب في قارب مطاطي و أن يبدوا كبطة جالسة قرر أدريان البقاء في الحطام إلى أن نفذت ذخيرة الطائرة الألمانية و رحلت
كانت قوات أدريان قليلة السلاح و الإمدادات و كانت تحت الهجوم من القوات الألمانية ، لكن رغم كل الظروف و الصعوبات تمكن من قيادة قواته عبر الجبال إلى تروندهايم ثم العودة إلى الساحل إلى ان وصلت البحرية الملكية و نقلت الرجال خارج النرويج و نقل أدريان إلى بريطانيا في عيد ميلاده الستين .
في أبريل 1941 تم تعيين أدريان لقيادة مهمة بريطانية من قبل ونستون تشرشل في يوغوسلافية ، كان الهدف هو دعم تحالفي مع الزعيم اليوغسلافي جوزيب بروز تيتو. لكن أدريان لم يصل لهناك ،
ففي طريقة إلى يوغوسلافيا عبر مالطا سقط مفجر ويلنجتون(3) في البحر الأبيض المتوسط ، فقد أدريان وعيه لكن الماء البارد أعاد له الوعي ، خرج أدريان من الطائرة قبل أن تغرق ، و قام بالسباحة لمسافة ميل بذراع واحدة و صديقه المصاب فوق كتفه ، وبعد الوصول لساحل إيطاليا قام الجنود الإيطاليين بالقبض عليهم
بعد سجن أدريان لأربعة أشهر في فيلا أورسيني نقل إلى قلعة خارج فلورنسا حيث احتجز مع ضباط رفيعي المستوى ،
قام السجناء بعدة محاولات الهروب لكن كلها فشلت ، إلى أن تمكنوا من حفر نفق بطول عشرون متر لمدة سبعة أشهر و هربوا في مارس 1943 و انتقلوا إلى مناطق قروية ثم تنكروا بزي فلاحين إيطاليين كي لا ينكشف أمرهم
بالنسبة لعجوز بيد مقطوعة و رقعة عين كان مكشوفا لذا تم القبض عليه بعد 8 أيام و أعيد إلى الأسر .
و في أغسطس 1943 تم نقل أدريان إلى روما من اجل إرسال معاهدة سلام مع المملكة المتحدة ، حيث أن إيطاليا تخطط سريا لترك الحرب ،
و أرسل أدريان إلى لشبونة مع مفاوض إيطالي الجنرال جياكومو زانوسي ، للقاء اتصالات الحلفاء بشأن الاستسلام للحفاظ على سرية المهمة ، و تم إطلاق سراح أدريان و عاد إلى بريطانيا في 28 أغسطس 1943 ، لكن بعد شهر كلف بمهمة جديدة كممثل خاص لتشرشل للزعيم الصيني تشانغ كاي شيك
سافر أدريان إلى الهند في 18 أكتوبر 1943 ، و كانت العلاقات الأنجلو – صينية صعبة في الحرب العالمية الثانية و طلب الكومينتانغ إنهاء الاستعمار البريطاني خارج الحدود الإقليمية ، لم يرحب تشرشل بالاقتراح ،
و كان قد طلب المساعدة من تشانغ عام 1942 لمساعدة القوات البريطانية للسيطرة على بورما التي استعمرتها اليابان ، و كان رئيس الوزراء تشرشل معتمد على أدريان كأفضل ممثل شخصي
قضى أدريان وقت في الهند لفهم الوضع في الصين ، ثم توجه إلى القاهرة لمناقشة مستقبل اليابان بعد الحرب ثم انتقل إلى الصين و بقي هناك أربع سنوات حيث أعجبه الشعب الصيني ،
و سقطت الطائرة التي كانت تقله و تحطمت و مات كل الركاب باستثناء شخص واحد ، من كان هذا الشخص ؟ نعم كان أدريان!
حتى بعد ان تقاعد لاحقته الحوادث المميتة
بعدها قرر أدريان التقاعد من الجيش بصفة رسمية بعد بلوغه 67 عاما ، و أيضا في طريق إلى إنجلترا توقف في رانغون و سقط على الأدراج و كسر ظهره و فقد وعيه ، لكن الأطباء أسعفوه و أزالوا كمية كبيرة من الشظايا من جسمه التي تعرض لها في الحروب .
إذا قمنا بعد عدد الإصابات و الحوادث التي تعرض لها خلال حياته ، فستكون 18 و قد حصل على الكثير من الأوسمة ، منها صليب فكتوريا كما ذكرنا سابقا و وسام فارس قائد الإمبراطورية البريطانية و وسام الخدمة المتميزة …
ربما يكون ادريان قد افلت من الموت مرات عديدة .. لكن لا احد ينتصر على الموت ، بالنهاية توفي في رحلة صيد لأسباب طبيعية في مقاطعة كورك بإيرلندا 5 يونيو عام 1963 . وبهذا تكون قد انتهت قصة أكثر جندي صلب على الإطلاق