يحرس أهرامات مصر منذ ما يقارب ٤٦٠٠ عاماً ، له هيبة تثير القشعريرة لدى جميع الزوار . هو حارس ملوك مصر .. حارس المحطة الأخيرة . قيل أنه خفرع ابن خوفو العظيم ، و بات الظن لسنوات أننا نعرف الوجه الحقيقي لأبو الهول ، لكن …. هل هو خوفو حقاً ؟ جولة جديدة في مصر القديمة ، و لننطلق..
حقاً هو خفرع؟ لا ، بل هو خوفو نفسه ، أم ليس خوفو حتى؟ هل يُعقَل أن يكون ابن آخر لخوفو طواه النسيان منذ ذلك الحين؟ هل يكون هو من شيًّد الصرح العملاق و سُرق َ منه إنجازهُ ؟ إنها قصة أُسرية يصعب تصديقها و لكن لنخوض هذه المغامرة و نرى النتائج .
ما الهوية الحقيقة لهذا الأسد العجيب الجالس برأس فرعون؟
ينتصب بقامته الحجرية بثبات في مدخل القاهرة ، ذلك المنحوت الضخم القابع تحت سفح أهرامات الجيزة لم يزل متكتماً أشد التكتم على ماضيه . فما الهوية الحقيقة لهذا الأسد العجيب الجالس برأس فرعون؟
من أي ذهن نبع هذا العملاق الهجين؟ غياب البراهين التاريخية و استحالة الاستعانة بالتقنيات الحديثة الخاصة بضبط التواريخ ،
تفسر لماذا لم نحصل على الأجوبة الكافية . منذ العام ١٩٨٠ م ترددت أطروحة لدى علماء المصريات : إن الفرعون خفرع هو الذي أعطى تقاسيم وجهه إلى أبو الهول ، و هذه النظرية و إن كانت مدعمّة بالحقائق فهي لا تخلو من بعض المناطق التي يكتنفها الغموض ، فعالم الآثار ( فاسيل دوبريف – Vassil Dobrev ) يقولها علناً : كفى إثارة ، إنه خوفو ، و لربما إنه ذلك الفرعون المنسي .
هذه ليست المرة الأولى التي يتم الربط فيها بين اسم خوفو ، أشهر بنائي الدولة القديمة ( ٢٧٠٠ – ٢٢٠٠ ق.م ) و لكن الغريب أن خوفو ذاته الذي اتخذ كنموذج لبناء أبو الهول لم تتح له الفرصة لمشاهده هذا الانجاز .
و لكن الذي أمر حقاً ببناء هذا العملاق قد يكون الفرعون دجِدِف رَع .. الأخ الغير الشقيق لخفرع . و لكن ( ضربة المعلم ) لم تساعد على تخليده كما توقع ، بل من المفارقات أن هذا الفرعون سيتم نسيانه بعض أن تعرض للخزي و العار ، و التجاهل و العقاب كان نصيب هذا الفرعون المنسي .
لكن حكم النسيان هو من وضع العالم فاسيل دوبريف على طريق الكشف الصحيح لمخترع أبو الهول . والحقيقة فقد صُمم أبو الهول للإبهار ، فكل شيء به يتحدى الخيال في وقتنا هذا و في زمن فراعنة مصر ، طوله ٧٣ متراً ، ارتفاعه ٢٠ متراً ،
و لم ينحت في مكان و نقل من مكان ، بل نُحِت من صميم الجزء الجيري من الهضبة و هو جزء لا يتجزأ من الصخرة الأم . هذا لوحده يُعتَبَر إنجازاً لحضارة قامت منذ ٤٦٠٠ عام .
الطريق الحقيقي
الحقيقة أن أبو الهول لا يتسق مع المحور المركزي لهرم خفرع ، فالطريق إلى المجمع الجنائزي ليس من الشرق كما نتجه نحن اليوم ..
بل كان عن طريق الجنوب . قدوماً من ممفيس عاصمة الدولة القديمة ، و بنظرة خاطفة و نحن ننظر باتجاه الشمال ستلاحظ اتساق وتوازي العملاق الحجري مع هرم خوفو و ليس خفرع .. كما أن ( النيماس )
الذي يُغطي رأس التمثال يشابه إلى حد كبير النيماس ذو الطراز القديم في عهد خوفو ووالده زوسر و حتى إن وجدت لحية للاحتفالات مبتورة بالقرب من التمثال ( لم تكن هذه اللحية معروفة في عهد خوفو )
فهي ليست دليلا دامغاً . لربما أضيفت فيما بعد ، فكيف نجحت أطروحة خفرع أن تتغلب على أطروحة خوفو ؟ حسناً لنكمل ، قد لا يكون خوفو و لا حتى خفرع أصحاب الوجه الحقيقي .
هل أبو الهول هو دجِدِف رَع؟
هل أبو الهول آتوم رع اله الشمس
آتوم رع .. اله الشمس ..
قد يكون وجه خوفو ، و لكن ليس خوفو من أمر ببناء التمثال .. خاصة أن دجدف رع كان يدرج جميع أعماله تحت اسم ( أبو الهول ) .
أبو الهول كان وثيق الصلة بعبادة الشمس و قد سُمّي ( شسيب عَنخَ آتوم – الصورة الحية ل آتوم ) إشارة لإله الشمس ( آتوم رع ) . و عندما تولى دجدف رع السلطة ، خلع على نفسه لقب ( سا رع – ابن الشمس ) ،
إذاً أبو الهول يمثل إله الشمس . دجدف رع لقب نفسه بابن الشمس ، رفع منزلته كأبيه خوفو و وجده زوسر إلى مكانة الآلهة ، فلماذا كان يبدو و كأنه مرغم على إرساء حكمه و تعزيز شرعيته بهذه التكاليف ؟
و ما سبب اختياره لنفسه كإله في الحياة و اختيار فكرة تمثيل والده في ابو الهول و عكس كل المفاهيم السائدة أنذاك عن صورة الآلهة ( كانت تصور برأس حيوان و جسد إنسان ، أبو عكس هذه النظرية تماما ) ؟
خوفو السبب
نهاية عهد خوفو كانت سعيدة حرفيا لكل المصريين من صناع و عمال ، فقد أنهك الرجل المصريين ببناء هرمه وقبلها والده الذي شيد أربعة أهرامات ع الاقل ، تمثل حجما إجماليا ب ٤ ملايين متر مكعب ..
وآلت هذه اللعنة إلى دجدف رع لإكمال بناء هرم والده خوفو ، فكيف سينجح هذا الفرعون باستعادة ثقة الشعب واحترامه ؟
دراما شكسبيرية ملفقة
تمثال دجدف رع، هل هو أبو الهول؟
دجدف رع .. بسبب كثرة الملوك في عصر الفراعنة نسب أبو الهول للكثير منهم ..
كان دجدف رح يسعى لتشييد هرمه الخاص ، و لعله في ذلك الوقت كان يبحث في مخيلته عن تحفة لا مثيل لها لاستعادة احترام الشعب تجاه أسرته .
وحيث أن الهدف كان ضمان سير الأمور في هذا الاتجاه ، فإن البناء الجديد قد تميز بأنه لا يتطلب نقل أحمال ثقيلة لأنه منحوت في الصخر .
إذا دجدف رع كان ملكاً عظيما و هو يتعارض مع سمعته كمتورط في جريمة اغتيال و لم يحكم إلا ثمانية أعوام قليلة الأهمية ،
إذا يقال انه قتل أخاه كواب ، و أنه شعر بالخزي من تشييد قبره على هضبة الجيزة و اختار موقعا آخر قبل أن يموت مقتولاً هو الآخر على يد أخيه خفرع ، و يقرر خفرع عدم إكمال مقبرة الملك الخائن ، و يعاقب أخيه بطي ذكراه للأبد .
و لكن دجدف رع حكم أكثر من ثمان سنوات و ليس كما قيل بأنه كان الفرعون المتعطش للدماء . والدليل بأن اسمه الملكي لم يمح كما هي عادة المصريين القدماء بمحو كل ذكرى و تدميرها في محال لحق الخزي بالشخص .
وفي النهاية ما زالت الأبحاث مستمرة حول هوية أبو الهول . و ما زاد الأبحاث غرابة ، نظرية وجود غرفة سرية داخل أبو الهول لم يكشف عنها حتى اللحظة .
ولتنتهي قصة وجه أبو الهول شبه محسومة كالتالي : المخطط كان لدجدف رع و الوجه لخوفو و تم تحريفه فيما بعد لخفرع . الذي لم يكتفي بذلك ، بل اختار بناء هرمه الخاص في على هضبة الجيزة ليبدو الهرم أفخم من هرم والده خوفو و إن كان أقل حجماً و ( بأقل التكاليف ) .
عودة أبو الهول إلى الواجهة
يحكي حسب لوح من الغرانيت الأحمر موضوع بين أرجل العملاق الحجري ، بأن تحتمس الرابع حين كان لوياً للعهد . استراح في ظل أبو الهول أثناء رحله صيد . و شاهد أثناء نومه حلماً يعده بتاج مصر إن أنقذ أبو الهول من الغمر تحت الرمال .
و لا يزال أبو الهول ( أحجية مغلفة بسر غامض داخل لغز )