كان الأول من مايو عام 1947 م هو اليوم الأخير في حياة إيفلين ماكهيل. كان أيضاً اليوم الذي ستخلد فيه صورة موتها إلى الأبد في صورة أُطلق عليها لاحقًا عزيزي القارئ أسم “أجمل انتحار”
ايفيلين مكهايل
حياة إيفلين قبل وفاتها المأساوية غامضة للغاية. حيث ولدت في 20 سبتمبر 1923 م بمدينة بيركلي ، كاليفورنيا لأبوين هما فينسينت وهيلين ماكهيل.
كانت واحدة من أصل ثمانية أخوة وأخوات.. كانت إيفلين لا تزال فتاة صغيرة عندما انفصل والداها بسبب المشاكل المصاحبة لاكتئاب والدتها. وكان فينسينت يعمل في بنك ، وبكل بساطة حصل على حضانة الأطفال.
حوالي عام 1930 م، انتقلت إيفلين مع جميع أشقائها إلى نيويورك مع والدهم بعد طلاق والديها.
بعد أنتهائها من المدرسة الثانوية انضمت إيفلين الى الفيلق النسائي بالجيش الذي كان متواجدا بولاية ميسوري. في أواخر عام 1944م انتقلت مع شقيقها وزوجته حتى وفاتها، حيث كانوا يعيشون في بالدوين، لونغ آيلاند بنيويورك.
عملت في شركة “كتاب إنغرافينغ كومباني” في مانهاتن كمحاسبة ، وهناك التقت بخطيبها باري رودس.
كان باري طالباً جامعياً سبق تسريحه من القوات الجوية الأمريكية. كانا يحبان بعضهما وكل شيئ يجري على ما يرام ، حتى أنهما خططا لاقامة حفل زفافهما في يونيو 1947 م في منزل شقيق باري في نيويورك. لكن لسوء الحظ ذلك الزفاف لم يحدث قط.
في صباح يوم 1 ابريل 1947 توجهت إيفلين إلى مبنى إمباير ستيت وشقت طريقها عبر المصعد نحو أعلى نقطة في المبنى ، منصة المراقبة في الطابق 86. هناك ، خلعت معطفها ووضعته على الدرابزين ، ثم كتبت ملاحظة وضعتها بجانب معطفها.
على الرغم من وقوف حارس الأمن على بعد 10 أقدام فقط إلا أن ذلك لم يردعها ويثنيها عن ما جاءت لأجله ، صعدت بكل خفه على السور وقفزت. هوى جسد إيفلين نحو الأسفل ليسقط فوق سقف سيارة متوقفة أمام المبنى.
لماذا قتلت نفسها؟
المكان الذي قفزت منه .. هناك 16 شخص اخرين انتحروا برمي انفسهم من هذا المكان منذ افتتاح المبنى عام 1931 .. لكن يبدو ان صور موتهم المفجع لم تكن جميلة بما يكفي لكي توضع على اغلفة المجلات والجرائد!
يبدو كما لو أن هذا سيكون سؤالًا بلا إجابة إلى الأبد حيث لم يشك أي شخص مقرب من إيفلين في أي شيء بتصرفاتها خارج عن المألوف.
في اليوم السابق لوفاتها والحادث المشؤوم زارت خطيبها للاحتفال بعيد ميلاده الرابع والعشرين. ولاحقا قال خطيبها بأن كل شيء خلال لقائهما كان طبيعياً ولم يكن هناك شيء غير عادي عندما غادرت إيفلين ، ولم يكن يعلم أن قبلتها له في ذلك اليوم ستكون الأخيرة ..
كانت الملاحظة التي كتبتها إيفلين قبل وفاتها موجهة إلى أخيها والتي عثر عليها أحد المحققين ، تلك الملاحظة لم تعط تفسيرا واضحا لسبب انتحارها ،
كانت الملاحظة التي كتبتها إيفلين قبل وفاتها موجهة إلى أخيها والتي عثر عليها أحد المحققين ، تلك الملاحظة لم تعط تفسيرا واضحا لسبب انتحارها ،
لكنها طلبت حرق جثتها.
وجاء في الملاحظة المكتوبة ما يلي : “لا أريد أن يرى أي شخص من داخل أو خارج عائلتي أي جزء مني ، هل يمكن أن تدمر جسدي بالحرق؟
أتوسل إليك وإلى عائلتي – ولا تقيموا أي جنازة أو تأبين لي – . لقد طلب خطيبي ان نتزوج في يونيو لكني لا أعتقد أنني سأكون زوجة صالحة لأي شخص. هو أفضل حالاً بدوني. أخبر والدي بأني احمل الكثير من ميول أمي” .
تم حرق جثة إيفلين ولم يتم عمل جنازة لها. ومع ذلك ، فإن جزءاً من رغباتها لن يتحقق ، لأن جثمانها الذي لم ترغب أن يراه أحد أصبح في واجهة جميع الصحف ورآه العالم كله!.
الانتحار الأكثر جمالا
صورتها بعد الموت والتي على ما يبدو سحرت الكثيرين .. ماذا لو لم تكن هناك سيارة في الاسفل وسقطت على الاسفلت هل كانت الصورة ستكون ساحرة أيضا؟!
لا أحد يفكر بالانتحار على أنه عمل جميل. إنه أمر مأساوي ، ليس فقط لمن يؤدي بحياته ولكن أيضاً لأحبائه. ومع ذلك ،
لكي تتمكن من رؤية الجمال الذي يشع به شخص حتى في أحلك ساعاته يتطلب الأمر رؤية هائلة. كان هذا هو حال المصور روبرت سي وايلز ، فقد لاحظ حدوث اضطراب في الشارع 34 فذهب ليرى ما يجري.
وهناك وقعت عيناه على جسد إيفلين الذي كان قد سقط على سقف سيارة كاديلاك ليموزين ، وقد تسببت قوة السقوط بانهيار سقف السيارة ..
كان الموقف حزينا ومؤلما لكنه لم يخلو من جمال لم تكن لتلتقطه إلا عدسات مصور محترف.لقد التقط وايلز الصورة التي تم نشرها لاحقاً في مجلة لايف وأصبحت واحدة من أكثر الصور شهرة في القرن العشرين.
لعل المفارقة الكبيرة التي شدت جميع من شاهد هذه الصورة هي كيف يمكن لشخص أن يقفز من مبنى مكون من 86 طابقاً ثم يهبط فوق سيارة ليظهر بمثل هذا الهدوء الرائع؟ كانت ساقاها متقاطعتان عند الكاحل.
وكانت جثتها تبدو مثالية تقريباً من الخارج ، حتى أنها لا تزال تمسك عقد اللؤلؤ الخاص بها كما لو كانت في تفكير عميق. عيناها مغلقتان ووجهها سليم ، كان المنظر أشبه بامرأة شابة مستلقية على أريكتها لأخذ قيلولة ما بعد الظهر!.
لقد أبهرت الصورة كل من رآها لعشرات السنين واحتفظت بمكانتها الأيقونية ولا تزال تثير الجدل لأنها لا تصور امرأة ميتة فحسب بل قيل إنها تحاول إضفاء طابع رومانسي على الانتحار ، وبالطبع لم تكن نية وايلز فعل ذلك أبداً ..
الصورة بأختصار توضح أن الإلهام يمكن أن يأتي حتى في أكثر الظروف مأساوية.
تمت مقارنة صورة جسدها على السيارة بالصورة التي التقطها المصور مالكولم وايلد براون عن تضحية الراهب البوذي الفيتنامي ثيش كوانغ دوك الذي أحرق نفسه حياً عند تقاطع طريق سايغون المزدحم في 11 يونيو 1963م، وهي صورة أخرى تعتبر واحدة من الأفضل في التاريخ.
تمت مقارنة صورة جسدها على السيارة بالصورة التي التقطها المصور مالكولم وايلد براون عن تضحية الراهب البوذي الفيتنامي ثيش كوانغ دوك الذي أحرق نفسه حياً عند تقاطع طريق سايغون المزدحم في 11 يونيو 1963م، وهي صورة أخرى تعتبر واحدة من الأفضل في التاريخ.
وصف بن كوسغروف من مجلة تايم الصورة بأنها “غنية تقنياً ومقنعة بصريا وجميلة تماماً”. قال إن جسدها بدا وكأنه “يرتاح، أو يأخذ غفوة، بدلاً من …
الموت” ويبدو أنها تستلقي هناك غارقة في “أحلام اليقظة مع حبيها”.
لكن بقي سؤال واحد دون إجابة: ما الذي جعل امرأة شابة تبلغ من العمر 23 عاماً ترتكب مثل هذا الفعل المتطرف؟!
لكن بقي سؤال واحد دون إجابة: ما الذي جعل امرأة شابة تبلغ من العمر 23 عاماً ترتكب مثل هذا الفعل المتطرف؟!