ولدت بطلة قصتنا في صقلية ١٣ ديسمبر ١٩١٨م و كانت طفلة جملية ذات خصلات ذهبية و عيون زرقاء و بشرة بيضاء حليبية ملأت بيت ابويها بالحب و السعادة، لكن لم تقر عينا والدها ماريو لومباردو و والدتها ماريا دي كارو بها. حيث اصيبت بحالة شديدة من الالتهاب القصبي الرئوي (1) Bronchopneumonia
تم توفير افضل علاج لها انذاك لكنها كانت صغيرة و تفتقد للمناعة اللازمة لمحاربة المرض. و غادرت دنيانا في ٦ ديسمبر ١٩٢٠م
و بالرغم من نهاية الانفلونزا الاسبانية في ذلك الوقت يبدو ان التهاب الرئة الذي اصابها كان سببه تلك الجائحة القاتلة.
لغز روزاليا لومباردو المومياء الرماشة
والدها اليائس ماريو لومباردو اصيب بالصدمه وتحطم قلبه لفقدان طفلته العزيزة التي ماتت قبل اسبوع واحد من اتمامها لعامها الثاني، لم يتحمل تلك المأساة حتى انه رفض دفن جثمانها. و خطرت له فكرة ان يحتفظ بفتاته الصغيرة حتى و هي ميتة.
طلب من الصيدلي الايطالي المشهور في ذلك الوقت البروفسور الفريدو سالافيا تحنيطها و الحفاظ علي مظهرها حيا قدر الامكان.
كان التحنيط و ما زال غير شائع في المجتمع الغربي الا ان بعض الثقافات ما زالت تمارسه حتى الان و قد اعتبر هذا الصيدلي الخيار الامثل لتلك المهمة بسبب معرفته الواسعة باساليب حفظ الجثث. و لما وصلت قصة روزاليا الى مسامعه آبى ان يأخذ اجره من والدها.
البروفسور الفريدو سالافيا
وجه روزاليا الملائكي دفع بروفسور سالافيا لتطوير تقنيات التحنيط حتى يحفظ جمالها الطبيعي. و قد فعل! حيث ان مومياء روزاليا تعتبر المومياء الاجمل و الاكثر شبها بالاحياء في العالم على الاطلاق.
في سبعينيات القرن الماضي تم اكتشاف مخطوطة مكتوبة بخط يد سالافيا توثق عملية تحنيط جسد روزاليا و قد احتوت تلك الملاحظات على صيغ المواد الكيميائية التي استخدمت في التحنيط :
جلسرين (Glycerin)
الفورمالديهايد (Saturated Formaldehyde)
كبريتات الزنك (Zinc sulfate)
فينول (Salicylic alcohol)
كلور (Chlorine)
و قد تم حقن تلك المواد داخل الجسم على الارجح في الشريان الفخذي.
تم تحنيط الفتاة بطريقة تثير اعجاب العلماء حتى يومنا هذا
تقبع مومياء روزاليا اليوم داخل تابوت من الزجاج بسرداب للموتى تابع للكبوتشيين (2) بمدينة باليرمو بصقلية مع ٨٠٠٠ مومياء محنطة اخرى و هي اكبر مقبرة مومياوات في العالم تم انشائها في اواخر القرن السادس عشر تحت دير باليرمو.
و رغم وضع قانون يحظر عرض بقايا الاموات و المومياوات منذ امد بعيد قبل وفاة روزاليا، فقد تم استثناء روزاليا و كانت اخر من يدفن في هذا السرداب.
مقبرة الكابتشين في ايطاليا من اغرب المقابر .. تعرض جثث موتاها
حفظ جثمان روزاليا بصورة ممتازة نظرا لجفاف الجو داخل السرداب. و وصف زوار الدير و المؤمنون المومياء بالمعجزة بسبب ان مقل العيون، شعرها الذهبي، الرموش، و الخدود المنتفخة كانت لينة بالنسبة لطفلة ماتت قبل مئة عام كما لو كانت حية. و بذلك عرفت بالجميلة النائمة.
ليس هذا فحسب بل حتى احشائها الداخلية ما زالت سليمة تماما كما تظهر في الاشعة السينية.
الاشعة السينية تظهر ان الاحشاء الداخلية مازالت سليمة
قصة غريبة اليس كذلك!!!؟ .. انتظروا لم نبدأ بعد ..
بعد فترة ظهرت حالة أو ظاهرة مخيفة بثت الرعب بين السواح الذين يزورون سرداب الموتى، تبدو فيها روزاليا و هي تفتح عينيها الزرقاوتين و تغلقهما عدة مرات في اليوم، يصاحب ذلك سماع اصوات بكاء اطفال بجوارها و بعض الاحيان همهمة و كلمات بصوت هامس حسب اقوال بعض الزوار، و سرعان ما انتشرت هذه الاخبار و ألهبت الشبكة العنكبوتية.
هل الفتاة تفتح عينيها .. قارن بين الصورتين واحكم بنفسك
في ٢٠٠٩ عالم الاحياء و المتخصص بعلم الاجناس البشرية داريو بيومبينو ماسكالي دحض الخرافة المتعلقة بالمومياء روزاليا و حسب اقواله ان كل ما يراه الزوار هو خداع بصري. و ان شمع البرافين الذي يغطي وجه الطفلة يخلق وهم انها تنظر مباشرة لمن ينظر اليها، فالزاوية التي يدخل منها الضوء عبر نوافذ الدير و التي تتغير خلال اليوم تجعل عيناها تبدوان مغلقتين تارة و مفتوحتين تارة اخرى.
ما يؤيد تحليل ماسكالي ان جفنا روزاليا بالفعل ليسا مغلقان تماما و هو في الاغلب من صنع الفريدو سالافيا لجعلها تبدو نابضة بالحياة.
بالنسبة للحالة الراهنة للمومياء اظهرت صورة في ٢٠٠٩ بعدسة ناشيونال جيوغرافيك ان المومياء قد طالتها بعض علامات التحلل ابرزها تغير اللون، و لمعالجة هذه المشكلة تم نقل التابوت لبقعة اكثر جفافا داخل حاوية زجاجية محكمة الاغلاق مع غاز النيتروجين لحفظها من التحلل.
ختاما ..
اعتقد بأن الصور الملتقطة للفتاة تبدو في غاية الوضوح و هي – كما تراها عيني – بنفس الزاوية و بذات الاضاءة، و في رأيي هذه الفتاة تفتح عينيها و تغلقهما فعلا. ربما ساهم بقاء انسجتها لينة كما تم وصفها في المقال بالحفاظ على اعصابها مرنة و كلنا نعلم ان بعد موت الانسان هناك تشنجات و حركات لا ارادية تصاحب مرحلة ما قبل التيبس و التحلل. الله اعلم…
ربما هنالك تفاسير اخرى ما ورائية شبيهة بما نراه في الافلام وهي ان روح الميت لا ترتاح او يهدأ لها بال الا بعد ان يكتشف بطل الفيلم مكان الرفات و يقوم بدفنها او حرقها خصوصا.
وربما تلك الهمهمة و الهمس و صراخ الاطفال الذي غالبا ما يتم سماعه ما هو الا استنجاد المومياء بالزوار لاتمام دفنها كما ينبغي. و كما يقول المثل عندنا ( اكرام الميت دفنه).
اذن ما رأيكم اعزائي القراء هل توافقونني الرأي ام توافقون داريو ماسكالي ام هنالك اراء اخرى اسعد كثيرا بقراءتها.