هل كان حقاً مجرد مراهق عندما وافته المنية؟ ، وهل كان ضعيفاً في حكمه لإمبراطورية مصر العظيمة؟ هل كان الوريث الأخير لعائلة قوية و طواه النسيان؟ مات مقتولاً؟ حادث صيد؟ كثرة الأسئلة تثير الشك حول أحد أشهر فراعنة مصر ( توت عنخ آمون ) .
توت عنخ آمون
العام ١٩٢٢ ، صحراء واسعة تخفي ألف سر و سر . لهيب شمسٍ ملتهبة . رياح غاضبة . و هوارد كارتر . العالم الذي شوه دون قصد ، كما اكتشف دون قصد ، أعظم مقبرة ملكية متكاملة لملك قيل بأن النسيان قد طواه .
دخل كارتر المقبرة المخفية بحرفية في ( وادي الملوك ) . ذُهِل الرجل مما رآه ، غرف ممتلئة حتى سقفها بالذهب الخالص ، وثلاث توابيت تخفي داخلها مومياء الفرعون توت عنخ آمون .
و لأجل عدم السماح للصوص الآثار بسرقتها ، قام لربما بأغبى تصرف على الإطلاق ، المومياء كانت ملتصقة بالتابوت الثالث بسبب الراتنج الذي صُب عليها . مومياء ترتدي أساور و قلادات من الذهب .
و عليه تحريك المومياء بأي طريقة ، وضع المومياء بداية على رمال الصحراء الملتهبة ، و انتظر مطرقة الشمس الملتهبة التي نصل لدرجة 149° حتى تذيب الراتنج الذي تصلب ملصقاً المومياء بقاع التابوت .
لكن دون فائدة ، فاضطر لنشر المادة المتصلبة من تحت الجذع و الأطراف قبل أن يتمكن من رفع جثمان الملك الشاب ، و قاموا بفصل الرأس عن الجسد و فكوا كل الأربطة الرئيسية تقريباً . وبمجرد أن انتهوا أعادوا تركيب بقايا المومياء فوق طبقة من الرمل داخل صندوق خشبي مزود ببطانة هي التي أخفت نوعا ما ما حدث للمومياء . و بعد التفتيش الهمجي للمقبرة ، سجل كارتر ملاحظاته عنها و أغلقها و رحل .
العام ٢٠٠٥ ، وادي الملوك مرة جديدة ، وسط همسات السياح عن لعنة الفراعنة ، ستنزلق أشهر مومياء داخل جهاز الأشعة المقطعية ( CT ) للمرة الأولى منذ اكتشافها . لُفَّ رأس و قدمي غطاء التابوت بالحبال و رفعوه خارج المقبرة .
وهنا داخل صندوق خشبي متواضع ، كان يرقد الملك توت ، محاطاً بلفائف من القطن و الكتان المُصّفَر بسبب الراتنج . وجه وديع به جرح بالخد الأيسر ، صدر بارز ، يدان و قدمان بالغتا النحافة ، جميعها مسودة من أثر الراتنج الذي صُب عليها أثناء طقوس الدفن .
يقول زاهي حواس .. المومياء بحالة سيئة للغاية بسبب ما فعله كارتر في عشرينيات القرن الماضي ، و لكنه على الأقل قدم للبشرية أول مقبرة غير منهوبة لأحد ملوك مصر .
كان الملوك في عصر توت يعيشون في ثراء فاحش ، و قد ظنّوا أو أملوا ، أنهم يستطيعون أخذ ثرواتهم معهم للعالم الآخر . وتفاصيل المقبرة الملكية كالتالي ، و ذكر مكوناتها مهم باعتبارها المقبرة غير المنقوصة حتى اليوم ..
لوحة اللعب ، شفرات حلاقة من البرونز ، ملابس داخلية من الكتان ، خزانات للطعام و النبيذ ، قلائد و أساور مطعمة بالذهب و بعضها كان من الذهب الخالص ، خواتم و تمائم ، صديريات رسمية ، صنادل ، كستبانات لأصابع قدميه و يديه ، التابوت الداخلي و القناع الذهبي ، عربات الصيد و أسلحة للدفاع عن النفس ، كتاب الموتى ، و كلها من الذهب الخالص .
نظريات الحكم – هل كان ضعيفاً ؟ ..
على عكس الذي يقال .. فقد كان توت فرعونا قويا للغاية ..
كان موت الملك توت حدثاً عظيماً ، حتى بالمعايير الملكية . فقد كان الأخير في تسلسل عائلته ، و كانت جنازته بمثابة إعلان عن موت أسرة ملكية . و لكن رحيله مازال غامضاً . يقول حوّاس .. هذه الفترة تشبه مسرحية ، جزء منها مكتوب ، و لكن المشاهد النهائية غير معروفة .
بداية لنعد بالزمن قليلاً ، لعهد الملك ( أمنحتب الثالث ) ، جد توت أو والده ، الفرعون القوي الذي حكم لأربعة عقود تقريباً في ذروة العصر الذهبي للاسرة الثامنة عشرة . و بعد رحيله حكم ابنه أو شقيق توت الأكبر ، أمنحتب الرابع ، الذي قام بثورة غيرت كل مقاييس الحكم في مصر .
فقد غير الفرعون الشاب نظرية العبادة و الديانة بإنهاء عبادة آمون و بدء عبادة آتون ( قرص الشمس ) . غير اسمه الملكي من أمنحتب إلى ( آخناتون ) . و زاد الطين بلة عندما نقل العاصمة الدينية من طيبة إلى تل العمارنة ، و قام بإغلاق كل معابد آمون و تهميش صوره . و حسب عالم الآثار راي جونسون أن الأسرة التي حكمت لقرون كانت مقبلة على نهايتها حين تولى العرش آخناتون .
بعد رحيل آخناتون ، تولى العرش لفترة قصيرة فرعون يدعى ( سمنخ كارع ) ثم رحل دون أي أثر يذكر . و هنا تولى العرش فرعون صغير يدعى توت عنخ آمون ، و رحل فجأة بعد حكم دام لتسع سنوات ، و لكن هل كان ضعيفاً إلى هذا الحد ؟
الملك توت أعاد عبادة آمون و غير اسمه الملكي و أفتتح المعابد و شيد معابد إضافية ، و نقل مركز حكمه إلى طيبة مجدداً . وقام ببضع غزوات بسيطة ، و كل هذا و قد حكم – كما يقال – لمدة أقصر من حكم آخناتون . كل هذه الأحداث في تسع سنوات فقط ، و حقاً كان مريضاً .
يُصُور الملك توت في رحلات صيد و غزوات عديدة ، مما يدل على أن توت لم يكن مريضاً و لم يكن المرض سبب وفاته . أما بالنسبة لأصحاب نظرية العُكاز المرافق له ، لربما كان موضة حاول إدراجها بين علامات الحكم ( مثل الصولجان و مفتاح النيل ) .
هل قُتِل ؟ حسب التشريح المقطعي للمومياء لم يُعثَر على أي أثر لعلامات قتل أو ضربات في الجسد ، فقط علامات طبيعية مثل فتحة في الرأس و الأنف لاستخراج الدماغ و الاعضاء الداخلية .
إذاً ما سبب وفاة الملك ؟ قيل أنه في عصر توت عنخ آمون ، ضرب وباء ما مصر . – لم يحدد ما هو – و لربما كان هذا الوباء سبباً في وفاة الملك . خاصةً أن الأبحاث الجديدة منحت الفرعون عمراً يتجاوز ال٢٥ عند رحيله ، إما بالنسبة لعدم إنجابه ، فقد صرح أطباء بإن السبب قد يكون عقماً و خاصة أن الملوك حينها كانوا يتزوجون من أخواتهم أو بناتهم للحفاظ على الدم الملكي مما أظهر بعض التشوهات الجينية .
أزمة الخلافة التي أحاطت بالبلاط الملكي ، أظهرت ( عنخ سن آمون ) أرملة توت – و يقال أخته غير الشقيقة – في واجهة الحدث . و قد حاولت باستقدام أمير من الحيثيين أن تُعيد لنفسها مكانة في البلاط . و لكن محاولتها فشلت بشدة و أدت لمقتل الأمير ( زنانزا ) .
محاولة عنخ سن آمون ليست غريبة ، بل أنها منطقية في حال عرفت أن جدتها هى الملكة ( تي ) و أمها هي ( نفرتيتي ) لا غير . و كلتاهما حكمتا كآلهة حية وشهد عصرهما القوة و السيطرة على البلاط الملكي . و لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُفن.
وصل لسدة الحكم فيما بعد رجل عجوز يدعى ( آي ) و حكم كفرعون لمدة ثلاث أو أربع سنوات . ليسيطر بعدها قائد الجيش ( حور محب ) على الحكم . و لكن الفرعون الجديد لم ينجب وريثاً ذكراً .
فمنح ولاية العهد لزميل السلاح القديم و الذي أصبح فيما بعد مؤسساً لأسرة ملكية جديدة – الأسرة التاسعة عشرة – الفرعون الذي نال هو و من بعده من الفراعنة ، نصيبهم من الشهرة و المجد و القوة – رمسيس – حاكم مصر الجديد .