المجرات هي عبارة عن جزر كونية سابحة في الفضاء حيث تحتوي المجرة الواحدة على مئات الملايين او المليارات من النجوم و تحتوي ايضا على الكواكب و النيازك و الثقوب السوداء و الغبار الكوني و الغازات الضرورية لتكون وولادة النجوم ..
الكثافة العجيبة : المجرات والثقوب السوداء
في اواسط القرن الماضي قام العلماء بتصنيف المجرات الى ثلاثة مجموعات رئيسية حسب شكلها وهي :
1- المجرات الحلزونية : التي تظهر لها اذرع حيث لاحظ العلماء وجود حوصلة شديدة اللمعان في مركز معظم المجرات الحلزونية و تنشأ تلك الحوصلة من تجمع النجوم في مدارات قريبة من المنطقة المحيطة بالثقب الاسود القابع في مركز المجرة و تمتد من هذه الحوصلة اذرع مكتظة بالنجوم تلتف بشكل لولبي وتشكل المجرات الحلزونية ما نسبته 78% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة في الكون.
2- المجرات الاهليجية : و تظهر باشكال بيضوية مفلطحة قريبة من شكل العدسة مع اختلاف في الاستطالة وفي مركز كل مجرة بيضوية يوجد ثقب اسود كما هو الحال في المجرات الحلزونية و تشكل المجرات الاهليجية ما نسبته 18% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة.
3- المجرات غير المنتظمة : التي تبدو على هيئة مجموعات ضخمة من النجوم و الغازات و الاتربة الكونية دون ان يكون لها شكل محدد اما عن اسباب ظهورها بتلك الاشكال الشاذة فراجع بالاساس الى عمليات احتكاك مع مجرات اخرى ولا تشكل المجرات غير المنتظمة سوى ما نسبته 4% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة.
تمكن العلماء ايضا من رصد مجرات نادرة ذات اشكال غريبة مختلفة عن الاصناف الرئيسية السابقة من بينها المجرات الخاتمية التي تظهر على شكل خاتم وعادة ما يلفت هذا النوع من المجرات انتباه الباحثين لندرتها ولغرابة شكلها.
ومن المجرات النادرة ايضا نوع يعرف بالمجرات المظلمة تحتوي على اعداد قليلة جدا من النجوم لذلك يجد العلماء صعوبة كبيرة في رصدها.
التقطت عدسات التلسكوبات ايضا صورا لمجرات ذات اشكال بديعة لافتة للانظار مثل مجرة سومبريرو الرائعة والتي تبعد عنا نحو 31 مليون سنة ضوئية وتتميز مجرة بنواة شديدة اللمعان محاطة بحزام من الغبار الكوني الساطع حيث اعتقد العلماء في البداية انها مجرة حلزونية ضلعية لكن الصور الملتقطة من تلسكوب سبيتزر الفضائي اثبت ان حلقة الغبار حول نواة المجرة اكبر بكثير مما كان يعتقد مما يدل على انها مجرة اهليجية.
الى اليسار صورة لما يقول العلماء انه ثقب اسود .. حتى الضوء لا يستطيع الهرب من الثقب الاسود.
وعلى العموم فان الحديث عن المجرات يجرنا للحديث عن الثقوب السوداء باعتبارها احد اهم المكونات الرئيسية لاي مجرة ولعل اول ما يتبادر للاذهان عند التطرق لهذا الموضوع هو مدى دقة المعلومات التي توصل اليها الباحثون بخصوص كثافة هذه الاجرام اذ لا يخفى على المتابعين لاخبار الفضاء ان العلماء يتحدثون عن مستويات عالية من الكثافة قد لا تستوعبها العقول.
حيث ذكر الباحثون في بعض الدراسات ان القبضة الواحدة من مادة الثقب الاسود يعادل وزنها عشرة اضعاف وزن الارض (1) بل جاء في بعض المصنفات العلمية (2) المخصصة لدراسة الاجرام السماوية ما معناه : ( ان النجم النيوتروني برغم كثافته وثقله الخرافي حيث يبلغ وزن السنتيمتر المكعب الواحد منه حوالي مئة مليون طن كل هذا لا يقاس بالثقب الاسود فالثقب الاسود اكثر كثافة و اثقل وزنا و اعظم انضغاطا )
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف توصل الباحثون الى كل هذه التفاصيل وعلى اي اساس بنوا دراساتهم و استنتاجاتهم وكلنا نعلم ان مراصدهم العملاقة عجزت عن رصد اى ثقب اسود فضلا عن معرفة مادته او اي شيء من مكوناته.
كثافة الثقب الاسود اكبر من ان يستوعبها العقل (2 * 1019 كغم على المتر المربع)
في الحقيقة يدرك علماء الفلك ان قوة جاذبية اي جرم تعتمد على حجمه و كثافته و كي يستطيع جرم بحجم الثقب الاسود ان يأسر بجاذبيته اكثر من مئتي مليار نجم بعضها يبعد عنه نحو خمسين الف سنة ضوءية (3) و يجعلها تدور في فلكه يجب ان تكون درجة كثافته عالية جدا و بعملية حسابية تأخذ في الاعتبار حجم و بعد تلك النجوم يستطيع العلماء معرفة درجة و مستوى كثافة الثقب الاسود.
ويجب الا ننسى هنا ان من بين النجوم الواقعة في اسر الثقب الاسود و التي تدور في فلكه توجد نجوم عملاقة بعضها اكبر من شمسنا بملايين او بمليارات المرات.
اسئلة اخرى قد تحوم في ذهن القارئ منها كيف يمكن للمادة ان تكون بمثل تلك الكثافة؟
الجواب يكمن في الذرة كلنا نعلم ان نسبة الفراغ في تركيبة الذرة يبلغ نحو99,999999999999% (4) ، يعني ان الاشياء المادية التي نشاهدها على هذه البسيطة معظمها فراغ ، هذه هي القوانين الفيزيائية الموجودة على كوكب الارض لكن داخل الثقب الاسود و بسبب الجاذبية الهائلة تتغير جميع القوانين الفيزيائية حيث تنسحق جميع الذرات و تتحد البروتونات مع الالكترونات مشكلة مادة يصعب على العقل البشري تخيل مدى كثافتها.
النجوم النيترونية ذات كتلة عظيمة وحجم صغير
محطتنا التالية في هذا المقال سنتحدث فيها عن النجوم النيترونية باعتبارها من اشد الاجرام كثافة في هذا الكون حيث ذكر الباحثون في هذا المجال ان مقدار ملعقة شاي واحدة من مادتها تزن ما يعدل تقريبا وزن جبل افريست.
ورغم صغر حجم هذا النوع من الاجرام اذ يتراوح قطرها في المتوسط بين العشرين الى الثلاثين كيلومترا تقريبا الا ان كثافتها العالية و سرعة دورانها حول نفسها قد شكلا لغزا بالنسبة للعلماء.
يذكر ان بعض النجوم النيترونية خاصة تلك المعروفة لدى العلماء بالنجوم النباضة (pulsating star ) تستطيع الدوران حول نفسها مئات المرات في الثانية الواحدة وتصدر النجوم النيترونية عند دورانها حول نفسها اصواتا شبيهة بالطرق لذلك يسميها العلماء بالمطارق الكونية.
طبعا لم يستمع الباحثون لتلك الاصوات بسبب خلو الفضاء من الهواء الناقل للصوت و لكن تمكن العلماء من تحويل الموجات الراديوية الصادرة عن تلك النجوم الى موجات صوتية ويستعصي على العلماء في العادة الاستماع مباشرة للاصوات القادمة من الفضاء لذلك يستعملون المقارب الراديوية التي تلتقط الاصوات من الفضاء و تبثها على شكل موجات راديوية ثم يتم تحويل تلك الذبذبات الى موجات صوتية و يوجد ضمن فروع علوم الفلك المتعددة فرع يعرف بعلم الفلك الراديوي